في خطوة بارزة تعكس مدى أهمية وضع سياسات وطنية واضحة لتنظيم الذكاء الاصطناعي، قدمت شركة Anthropic توصياتها إلى البيت الأبيض حول كيفية التعامل مع التقنيات المتقدمة للذكاء الاصطناعي، وذلك بعد يوم واحد فقط من إزالة التزاماتها السابقة المتعلقة بسياسات الذكاء الاصطناعي التي تم تبنيها خلال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
تؤكد الشركة أن هذه التوصيات تأتي في إطار الاستعداد لمستقبل يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي، حيث ترى أن هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ تدابير تنظيمية لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنية، مع تعزيز قدرة الولايات المتحدة على التنافس عالميًا في هذا المجال الحيوي.
ملامح التوصيات الجديدة التي قدمتها Anthropic
تركز التوصيات التي قدمتها Anthropic على عدة محاور أساسية تهدف إلى تعزيز أمان الذكاء الاصطناعي، وضمان استفادة الاقتصاد الأمريكي من إمكانياته الهائلة، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات والمخاطر الأمنية المحتملة. وفيما يلي تفصيل لأهم المقترحات التي قدمتها الشركة:
1. الحفاظ على معهد أمان الذكاء الاصطناعي
توصي Anthropic بضرورة الحفاظ على معهد أمان الذكاء الاصطناعي، الذي تم تأسيسه خلال إدارة بايدن، مشددةً على دوره المحوري في إجراء الأبحاث والتحقيقات المتعلقة بمخاطر الذكاء الاصطناعي. وترى الشركة أن إلغاء هذا المعهد قد يؤدي إلى ثغرات أمنية خطيرة، ما قد يسمح بظهور استخدامات غير آمنة لهذه التكنولوجيا.
2. تكليف المعهد الوطني للمعايير والتقنية (NIST) بتطوير تقييمات أمنية
تدعو الشركة إلى تعزيز دور المعهد الوطني للمعايير والتقنية (NIST) ليشمل إجراء تقييمات وطنية صارمة للنماذج القوية من الذكاء الاصطناعي. ويهدف هذا الإجراء إلى فحص المخاطر الأمنية المحتملة، مثل إمكانية استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في الهجمات الإلكترونية أو استخدامها بشكل غير قانوني.
3. تشكيل فريق حكومي متخصص لتحليل الثغرات الأمنية في الذكاء الاصطناعي
توصي Anthropic بضرورة إنشاء فريق حكومي متكامل يتخصص في تحليل الثغرات الأمنية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، والعمل على تطوير بروتوكولات أمنية تساعد في حماية البنية التحتية الرقمية للولايات المتحدة. وتؤكد الشركة أن غياب هذا الفريق قد يجعل الأنظمة الأمريكية عرضة لهجمات سيبرانية معقدة.
4. تشديد قيود تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي، خصوصًا إلى الصين
تؤكد Anthropic أن إحدى الخطوات الضرورية لضمان الأمن القومي الأمريكي هي تشديد القيود على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه التوصية فرض حظر صارم على بيع رقائق Nvidia H20 إلى الصين، نظرًا لأن هذه الرقائق تُستخدم في تشغيل النماذج المتقدمة للذكاء الاصطناعي، والتي قد تشكل تهديدًا في حال استخدامها في تطبيقات عسكرية أو استخباراتية.
5. تعزيز البنية التحتية لمراكز البيانات
نظرًا للنمو الهائل في احتياجات الحوسبة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، تقترح Anthropic أن تتبنى الولايات المتحدة هدفًا وطنيًا يتمثل في بناء 50 جيجاواط إضافية من الطاقة المخصصة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027. وترى الشركة أن الفشل في توفير هذه الطاقة قد يعيق تطور الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأخرى.
علاقة التوصيات بالسياسات السابقة وتأثيرها على المشهد السياسي
من اللافت أن العديد من هذه التوصيات تتوافق مع الأمر التنفيذي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي أصدره الرئيس جو بايدن في عام 2023، قبل أن يقوم الرئيس دونالد ترامب بإلغائه في يناير 2025، بحجة أن متطلبات الإبلاغ الواردة فيه كانت مفرطة وغير ضرورية.
وقد أثارت هذه القضية انقسامًا حادًا في الأوساط السياسية، حيث يرى المؤيدون لسياسات بايدن أن تلك الإجراءات كانت ضرورية لحماية الأمن القومي، في حين يعتبرها المؤيدون لترامب عقبة تُضعف قدرة الشركات الأمريكية على المنافسة عالميًا.
تداعيات مقترحات Anthropic على مستقبل الذكاء الاصطناعي
من شأن هذه التوصيات أن تساهم بشكل مباشر في إعادة تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، حيث تهدف إلى:
تعزيز أمن تقنيات الذكاء الاصطناعي والحد من المخاطر الناجمة عن إساءة استخدامها.
ضمان استدامة البنية التحتية اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
حماية المصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية في مواجهة التحديات العالمية.
هل ستتبنى الحكومة الأمريكية توصيات Anthropic؟
رغم أن توصيات Anthropic تتماشى مع الجهود الحالية لضبط قطاع الذكاء الاصطناعي، إلا أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستتبناها بالكامل. فمع تصاعد المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، يبدو أن صناع القرار في واشنطن أمام مفترق طرق: هل يتم تعزيز القيود لحماية الأمن القومي، أم يتم تخفيف اللوائح لمنح الشركات الأمريكية حرية أكبر في التطوير والابتكار؟
خاتمة
لا شك أن الذكاء الاصطناعي أصبح ساحة تنافس عالمية، حيث تتسابق الدول الكبرى لتطوير هذه التقنية وتسخيرها في مختلف القطاعات. ومع هذه التطورات المتسارعة، يصبح من الضروري وضع سياسات واضحة ومتوازنة تضمن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون المساس بالأمن القومي أو التأثير سلبًا على مستقبل الاقتصاد الأمريكي.
وفي ظل الجدل القائم حول مستقبل تنظيم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، من المرجح أن تشهد الفترة القادمة مزيدًا من النقاشات حول هذه التوصيات، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
