أعلنت جوجل الشهر الماضي عن أداة جديدة تحمل اسم العالِم المساعد بالذكاء الاصطناعي ، والتي تهدف إلى مساعدة الباحثين في صياغة الفرضيات ووضع خطط الأبحاث. ورغم ترويج الشركة لهذه الأداة باعتبارها خطوة نحو اكتشافات علمية جديدة، إلا أن الخبراء يشككون في مدى فعاليتها الفعلية، ويرون أن مثل هذه الأدوات لا تزال بعيدة عن الوفاء بوعودها التسويقية.
سارة بيري، الباحثة في مجال الرؤية الحاسوبية بمعهد MIT، صرّحت لموقع TechCrunch قائلة:
هذه الأداة لا تزال في مراحلها الأولية، ولا يبدو أنها ستُستخدم بجدية في الأوساط العلمية. لا أرى أن هناك طلبًا حقيقيًا على نظام يولّد فرضيات علمية من تلقاء نفسه.
الذكاء الاصطناعي والوعود الكبيرة في الأبحاث العلمية
تُعد جوجل أحدث شركة تقنية تُروّج لفكرة أن الذكاء الاصطناعي قادر على تسريع الأبحاث العلمية، خاصة في المجالات المعقدة مثل الطب الحيوي.
في وقت سابق من هذا العام، كتب سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، مقالًا يقول فيه إن الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء قد يُحدث ثورة علمية هائلة.
وبالمثل، تنبأ داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic، بأن الذكاء الاصطناعي قد يساهم في اكتشاف علاجات لمعظم أنواع السرطان.
لكن وفقًا للعديد من الباحثين، فإن الذكاء الاصطناعي الحالي لا يزال محدودًا في دوره داخل العملية العلمية. فمثلًا، رغم أن جوجل أشارت إلى أن أداتها ساعدت في إعادة توظيف بعض الأدوية لعلاج سرطان الدم الحاد، إلا أن النتائج التي قدمتها كانت غامضة وغير موثوقة.
فافيا دوبيك، أخصائية علم الأمراض في مركز نورث ويست الطبي – توكسون، علّقت على الأمر بقولها:
لنتائج التي قدّمتها جوجل لا يمكن لأي عالم جاد أن يأخذها على محمل الجد. قد تكون الأداة مفيدة كبداية، لكن غياب التفاصيل يثير القلق، ولا يجعلني أثق بها.
انتقادات علمية لمزاعم جوجل حول الذكاء الاصطناعي
هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها جوجل للانتقاد بسبب تقديمها ادعاءات مبالغ فيها حول قدرات الذكاء الاصطناعي دون تقديم أدلة علمية واضحة.
في عام 2020، زعمت الشركة أن نظامها الذكي للكشف عن سرطان الثدي تفوّق على أطباء الأشعة البشريين. لكن لاحقًا، نشر باحثون من جامعتي هارفارد وستانفورد دراسة في مجلة Nature، انتقدوا فيها البحث بسبب غياب التفاصيل والمنهجية الواضحة، مما أضعف قيمته العلمية.
وفي مجال الهندسة المادية، زعمت جوجل عام 2023 أن نظامها GNoME ساعد في اكتشاف 40 مادة جديدة. لكن عند إجراء تحليل مستقل، لم يكن أي من هذه المواد جديدًا بالفعل.
أشيك خودابوكش، أستاذ هندسة البرمجيات في معهد روتشستر للتكنولوجيا، يرى أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب التقييمات المستقلة لهذه الأدوات. ويقول:
الذكاء الاصطناعي قد يُظهر أداءً جيدًا في بيئات محكومة، لكنه غالبًا ما يفشل عند تطبيقه على نطاق واسع.
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث اختراقات علمية فعلًا؟
أحد التحديات الأساسية في استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي هو التعقيد الهائل للعمليات العلمية. قد يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا في تحليل كميات كبيرة من البيانات، لكنه لا يُجيد التفكير الإبداعي أو حل المشكلات بطرق غير تقليدية.
لانا سيناباين، الباحثة في مختبرات Sony للعلوم الحاسوبية في اليابان، تعتقد أن هذه الأدوات تركز على الجانب الخطأ من البحث العلمي. فهي ترى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيدًا في تبسيط المهام المملة مثل تلخيص الأوراق البحثية أو تنسيق الطلبات للحصول على منح دراسية، لكنه لا يُمكن أن يحلّ محل العالِم في ابتكار الأفكار والفرضيات.
وتُضيف:
بالنسبة لي، فإن توليد الفرضيات هو الجزء الأكثر متعة في عملي كباحثة. لماذا أرغب في تفويض هذا الدور إلى آلة، ثم أضطر إلى القيام بكل العمل الصعب بنفسي؟
أما سارة بيري، فترى أن الذكاء الاصطناعي يعجز عن إجراء التجارب الفعلية أو التعامل مع البيانات المحدودة، مما يجعله غير قادر على استبدال العلماء. وتوضح:
العلوم ليست مجرد عمليات حسابية، بل تشمل تجارب مادية، وجمع بيانات جديدة، والتكيف مع الظروف المتغيرة. وهذه أمور لا يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تنفيذها بمفردها.
مخاطر الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي
إلى جانب حدوده التقنية، فإن الذكاء الاصطناعي يواجه مخاطر أخرى، مثل ميله إلى اختلاق معلومات غير دقيقة، مما يثير قلق العلماء بشأن تأثيره على جودة الأبحاث.
خودابوكش يحذّر من أن أدوات الذكاء الاصطناعي قد تتسبب في زيادة انتشار الأبحاث المزيفة، وهو أمر بدأ بالفعل يحدث، حيث أظهر تقرير حديث أن محرك Google Scholar أصبح يعجّ بالدراسات العلمية الوهمية التي أنشأتها خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
ويقول خودابوكش:
إذا لم يتم تنظيم الأبحاث التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي، فقد تغرق الأوساط العلمية بدراسات منخفضة الجودة، مما يُرهق نظام مراجعة الأبحاث العلمية.
حتى الدراسات التي تتم وفقًا لمعايير علمية صارمة قد تتأثر بالأخطاء التي يولّدها الذكاء الاصطناعي. وتُعلق سيناباين على ذلك قائلة:
أنا أؤيد الأدوات التي تساعد في مراجعة وتحليل الأبحاث، لكنني لا أثق بالذكاء الاصطناعي في أداء هذه المهمة بمستوى دقيق.
الخلاصة
رغم كل التقدم في الذكاء الاصطناعي، لا يزال العلماء مترددين في الاعتماد عليه كـ عالِم مشارك . فبين مبالغات الشركات التقنية، وغياب التقييمات العلمية الصارمة، تظل هذه الأدوات في مرحلة التجريب أكثر من كونها ثورة علمية حقيقية.